الدكتور العياشي الفرفار يكتب: خطاب الذكرى 20 لعيد العرش .. ونظرية الطريق الثالث
الخطاب الملكي كان خطابا واقعيا تحدث لغة الواقع بعيدا عن منطق التمجيد والاحتفال بالمجزات , و التي تستحق الاشادة . معتبرا ان حجم المنجزات لا يعني تجاهل حجم الاختلالات الكامنة و الموجودة في الواقع , و التي تشكل الما وجعا للملك وهو وجع نابع من الاحساس بالمسؤولية كامانة على عاتقه . * لقد مرت عشرون سنة، منذ أن حملني الله أمانة قيادتك. وهي أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة * الخطاب كان عميقا رغم بساطته لانه يحمل في طياته الكثير من المساحات البيضاء و التي تتيح فرصة تعدد القراءات , وهو ما يعني انفتاحه اعلى اكثر من قراءة ما يستدعي تجاوز التحليل التبسيطي و الاختزالي . امام كثافة الخطاب يصبح من الضروري البحث عن منطق الخطاب و ليس الوقوف عن منطوقه , الخطاب لم يكن خطابا عاديا و احتفاليا بقيمة المنجزات و بناء احلام للمستقبل , و انما كان خطابا اشكاليا طرح قضية معقدة للنقاش بمثابة دعوة عمومية للتفكير و التامل , في افق بناء مداخل للحل و تجاوز الوضع الاشكالي . وفق ماسبق ورغبة في قراءة هادئة للخطاب يمكن اعادة قراءته من زواية خاصة بعيدا عن منطق القراءة الوحيدة . اولا : قوة المغرب في استقراره .
عبر الملك ان قوة المغرب تكمن في وحدته و في قدرته على الحفاظ على الإجماع الوطني الايجابي ، الذي يوحد المغاربة، حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد. و حدد ان الاجماع هو اجماع وظيفي يؤسس لمنطق الوحدة و التعاقد من خلال : – اولا : الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها؛ – وثانيا: الخيار الديمقراطي والتنموي، الذي نقوده بعزم وثبات. – وثالثا: الإصلاحات العميقة، التي أقدمنا عليها، والمصالحات التي حققناها، والمشاريع الكبرى التي أنجزناها؛ بناء المغرب و الحفاظ عليه في زمن صعب , لاسيما في ظل التحولات العنيفة التي شهدها العالم العربي و ال\ي مازالت تداعياته مستمرة من اخطرها ان اغلب الانظمة الصلبة قد تبخرت و ان دول الوار تعيش خارج منطق الدولة و اصبحت محكومة بمنطق القبيلة و الطائفة او حتى لوبيات المصالح .
الخطاب حدد نقطة القوة و شرط البناء و تحقيق التنمية , و الذي يكمن في الوحدة و الانسجام بين الملكية و الشعب . ان الاجماع هو شرط الفعل و شرط لبناء و تحقيق التنمية , و ان غياب الانسجام و الثقة المتبادلة بين الملك و الشعب من شانها ان تقود الى اللا – استقرار و بالتالي حالة الفوضى . ثانيا : الوضع بالمغرب ليش وضع مشكلة و انما هو وضع اشكالي .
عبر الملك عن مفارقة تعيشها البلاد وهو انه رغم حجم الانجازات و حجم الاهداف التي تحققت و المتمثلة في الكثير من المشاريع الكبيرة , بالموازاة مع هذه الانجازات الكبيرة و المهيكلة هناك الكثير من حالات الهشاشة الاجتماعية , و ان المواطن البسيط لم يستفد مما تحقق من مشاريع كبيرة ؟ فالتنمية في المنظور الملكي ليس غاية و انماه هي وسيلة لتوفير العيش الكريم للمواطن , انها فعل وظيفي من اجل المواطن و ليس مراكمة للارباح و تكديسا للثروة .
هنا تكمن اشكالية الخطاب الملكي , مشاريع كبيرة و مهيكلة و في الوقت ذاته الكثير من حالات الهشاشة , و ان التنمية في بعدها الماكرو اقتصادي لم تلامس جيوب البسطاء ووضعهم المعيشي. فقيمة التنمية هي القدرة على تغيير وضع الموان البسيط وتحسن مستوى حياته . ماحققه المغرب لاسيما في العشر السنوات الاولى كان كبيرا لاسيما على مستوى البنيت التحتية و المخططات الكبرى التي شملت كافة المجالات اظفة الى اتساع دائة الحريات العامة و انجاز مصالحة مع الماضي و التصالح معه . الارقام ناطقة على الصعيد الاقتصادي حيت استطاع المغرب من تحقيق قفزة كبيرة على مستوى ناتجه الخام والذي انتقل من 41.6 مليار دولار عام 1999 إلى 121.4 مليار عام 2019 ليصبح بذلك القوة الاقتصادية الخامسة في إفريقيا.
اظافة توفير مناخ استثماري جاذب للستثمارات العالمية لاسيما في مجال صناعة السيارات . لا احد ينكر حجم الانجازات و المشاريع المهيكلة لاسيما على مستوى البنيات التحتية ومنها : – ميناء طنجة المتوسط و الذي حول المغرب الى دولة رائدة في مجال النقل البحري – الطرق السيارة و التي اصبحت تربط اكثر من 70 في المئة من مدن المملكة – القطار السريع المشروع الاول افريقيا و عربيا – مشاريع انتاج الطاقة الشمسية – انجاز الكثير من المخططات الكبيرة في المجال الفلاحي و الصناعي و السياحي فالانتقال من 41 مليار الى 121 مليار دولار يعكس حجم التحول الاقتصادي و هو تحول يبرز قيمة النجاح على المستوى الماكرو اقتصادي , و انه نجاح له مبرراته لاسيما في ظل التحولات الخاصة باسعار الطاقة , مع استحضار ان المغرب دولة غير طاقية و مع ذلك حقق المغرب نجاحات اقتصادية تجد اساسها في حجم وقيمة الانتاج و المحددة في 121 مليار ودولار و كذا في انتعاش و اتساع دائة الثقة في مناخ الاستثمار بالمملكة .
فالنجاح الاقتصادي على مستوى الماكرو اقتصادي لم يرافقه نفس النجاح على لمستوى الميكرو اقتصادي و اجتماعي ان تاثير النجاح الماكرو الاقتصادي لم يلامس المواطن البسيط . هنا تكمن جوهر اشكالية الخطاب الملكي كيف نجعل المواطن يحس و يستفيد من عوائد التحولات الاقتصادية بتحسين ظروف حياته اليومية .
الملك في مقاربته لمنطق الاعطاب التي حالت دون استفادة المواطن البسيط اعتبر ان السبب يكمن في ازمة تدبير , لذا دعا إلى إجراء قطيعة نهائية مع ما وصفها بـ “التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص”. بين الماكرو و الميكرو هناك حلقة مفقودة , تكمن في الادارة المسؤولة عن تنزيل و تنفيذ السياسات العمومية في ابعادها الثلاث الوطنية و الجهوية و المحلية , و اعتبر الملك ان بناء مرحلة جديبدة لتجاوز الاعطاب و جعل المواطن مستفيدا من المنتوج التنموي يشترط ان يكون حاضرا و مشاركا و بشكل ايجابي لان “نجاح المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. كما يتطلب التعبئة الجماعية، وجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات”.
بحسب نص الخطاب الملكي . حتى المواطن يتحمل مسؤولية في استمرار منطق العطب نتيجة سلبيته في التعاطي مع الشان العام , لان بناء التنمية و الحفاظ عليها و الانتفاع من عوائدها يستدعي حضورا فاعلا و نشيطا للمواطن عبر بناء مواطنة ايجابية و فعالة , و هو الامر الذي اكده الملك حين اكد على : ضرورة انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحل فالتنمية ليس فعلا من اختصاص الدولة وحدها , و انما هو فعل تشاركي نتيجة الحضور الوازن للمواطن عبر تكريس و بناء روح المواطنة الفاعلة ؛ فالكسالى ينامون و لايشاركون و بالتالي يمكن لهم اقتسام نتائح البؤس و الهشاشة اما التميبة فتشترك الحضور الايجابي للمواطن و ليس غيابه فالخطاب كشف منطق العطب و اعتبر ان الدولة نجحت في بناء و تنفيذ برامج كبيرة و حققت انجازات مهمة , لكن المواطن العادي لم يستفد , لذا نكون امام الجاحة في تفكير جماعي من اجل مستقبل جديد يكون المواطن فيه فاعلا و مستفيدا من ثمار التنمية انجاز هذه المهمة يستدعي البحث و الجهد و التفكير المشترك و بحس مواطن من اجل الوطن و المواطن في اطار تجربة العيش المشترك .
لذا سيكون من المفيد الانفتاح على نظريات الطريق الثالث كنظريات تقدم تصورات بمثابة اجابة على اشكالية الخطاب كيف نصنع تنمية يستفيد منها الجميع نظرية جون روالز حول العدالة و التي تبناها الرئيس الامريكي بيل كلينتون تقدم اطارا مرجعيا للتفكير في الاشكالية التي طرحها الخطاب الملكي قيمة الاشكالية تكمن في استعادة تساؤل المواطن ماجدوى السرعة في بلد كل شئ فيها بطئ على المستوى الاجتماعي الخطاب الملكي ينحاز الى الى رؤية الخيار الثالث او الطريق الثالث حيت العمل على بناء نظام قادر على الانتاج و التنافس في ظل عولمة متوحشة لا تعترف الا بمن ينتج و يتنافس , وفي ذات الوقت اقتسم عوائد الانتاج لبناء عدالة اجتماعية و مجالية الملك لا يريد نظاما ليبراليا يبحث فقط عن الانتاج و الربح و لو على حساب البسطاء و لا يريد نظاما يؤمن بالمساوة و الحقوق في ظل نظام لا ينتج و انما الرهان الملكي في بناء طريق ثالث للتنمية يجمع بين الانتاج و العدالة