يحفل الخطاب الإلهي بالعديد من العبر والعظات التي وردت في مختلف سور القرآن الكريم وهو الخطاب الصالح لكل زمان ومكان حيث وردت الكثير من الوصايا والعبر في ثنايا هذا الخطاب وقد ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم أنّه كلّم نبيه موسى -عليه السلام-، ومن المعلوم أنّ موسى -عليه السلام- قد تربّى في بيت فرعون في طفولته لحكمةٍ أرادها الله -تعالى-، ثمّ قدّر الله -سبحانه- أن يكون الخطأ من موسى فيقتل في شبابه قبطيّاً من أتباع فرعون، ويضطر بسبب ذلك إلى الخروج من مصر متغيّباً عن ناظر فرعون عدّة سنوات.
ولمّا قرر نبي الله العودة إلى مصر مجدّداً ضلّ الطريق، فأخذ يتلمّس شيئاً من نارٍ؛ يهتدي بها في طريقه، فابتعد عن أهله، ثمّ كلّمه الله -سبحانه- بأن أعلمه أنّه نبيٌّ مختارٌ إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته، وبيّن له شيئاً من المعجزات التي أيّده بها؛ لتكون عوناً له ليصدّقه القوم حين يأتيهم، ثمّ زاد الله -تعالى- على ذلك بأن أيّده بأخيه هارون؛ ناصراً ومصدّقاً ونبيّاً معيناً له على فرعون وملأه. وحمل موسى -عليه السلام- من بعد هذا التكليم الذي اصطفاه الله -تعالى- به همّاً ثقيلاً ورسالةً عظيمةً يُوصلها لأشدّ الناس عتوّاً وإفساداً، وكانوا قد جسّدوا سطوة المال والسلطة في حياتهم؛ وهم: فرعون، وقارون، وهامان.
لكنّ الكلمة التي أيّد الله -تعالى- بها نبيّه كانت نِعمَ العون له، فأتاهم داعياً بالطريقة التي أرادها الله -سبحانه- بلطفٍ ولينٍ، مع الصبر والعزم الحقيقي في الدعوة، حتى نجا من كلّ أولئك الجبّارين. وقال المفسّرون أنّ كلام الله تعالي لموسى كان تكليماً حقيقيّاً كما أخبر الله -سبحانه-، وورد في القرآن الكريم المكان الذي جرى فيه ذلك الكلام، قال الله -تعالى-: (فَلَمّا أَتاها نودِيَ يا موسى*إِنّي أَنا رَبُّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى)، وجمع المفسّرون بين هذه الآية الكريمة وغيرها ممّا ورد في القرآن الكريم حتى وصلوا إلى أنّ المكان الذي وقف فيه موسى -عليه السلام- إذ كلّمه ربّه هو جبل الطور في سيناء في مصر، وصحيحٌ أنّ المؤمن يوقن بأنّ الله -تعالى- كلّم نبيّه تكليماً مباشراً؛ إلّا أنّه ما من شرحٍ وتفصيلٍ لكيفية ذلك التكليم؛ بل يقف العبد المؤمن عند هذا ويرجع العلم إلى الله -تعالى- فيما سواه.
قال تعالي:” وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَاوَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
وقال أيضا: “{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى }{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى } {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَافَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }طه 8-11