يحفل الخطاب الإلهي بالعديد من العبر والعظات التي وردت في مختلف سور القرآن الكريم وهو الخطاب الصالح لكل زمان ومكان … واليوم سوف نتحدث عن قصة سيدنا أيوب وكيف كان صبره وكيف أتاه العلاج؟
كان سيدنا أيوب يعيش في رغد ونعيم وكان كلّما زاده الله بركةً ورزقاً واسعاً ازداد هو ورعاً وتقوى،فوسوس الشيطان للنّاس بأن أيوب ما يعبد الله حبّاً بعبادته ولا طواعية في نفسه ولكن طمعاً فيما يمنحه الله من مال وبنين وبما أعطاه من ثروة طائلة.
وأن الله لو نزع عنه كل هذه النّعم والرّزق الوفير والثراء الكثير فإنه سيبتعد عن عبادة الله وعن ذكره.
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل سيدنا ايوب مثالا للبشرية جمعاء في قيم الصبر على البلاء فابتلاه الله بأعظم ابتلاء فنزع ماله وفقد أبناءه، وأصيب جسده بالمرض حتى أصبح لا يقدر على الوقوف ولا يقوى على الحركة والسّير وعندما رأى الناس ماحلّ بسيّدنا ايوب أصبح فريق منهم يشكّك بأنّه نبيٌّ من عند الله، وظن فريق آخر أن المصائب والكوارث التي حلّت بسيّدنا ايّوب سوف تذهب إيمانه وتقواه وتفسد قلبه لكن ظنّهم ومسعاهم قد خاب فلم تزد تلك المصائب سيّدنا أيوب إلا إيماناً وصبراً.
مرّت الأيّام وأيوب على حاله من ضعف ووهن في الجسم وفَتَكَ المرض بأغلب جسده، ولم يتبقّى أحدٌ بقربه إلا زوجته. بقيت تخدمه وترعاه وكانت على عهدها بوفائها لزوجها. وكانت صابرة محتسبة. لكنّ رفقاء الشيطان والمفتّنين لم يتركوها لحالها ومعاناتها بل راحوا يألّبونها ويحرّضونها على هجر وترك سيدنا ايوب، وفي إحدى زياراتها له. قالت له: لِمَ يعذّبك الله؟ وأين مالك؟وأين أبناؤك؟ وأصدقاؤك؟
فرد عليها سيّدنا ايوب، وقال: لقد سوّل لكِ الشيطان أمراً، أتُراكِ تبكين على عزٍ قد ولّى لقد خاب ظنّي بك ولا أراكِ إلا وقد ضَعُفَ إيمانك وضاق قضاء الله وقدره بصدرك ولئِن شُفِيت من مرضي هذا لأجلدنِّك مائة جلدة. فإذهبي عنّي ولا أريد أن أراك حتى يقضي الله بيني وبينك.
وهكذا أصبح سيّدنا ايوب عليه السلام وحيدا إلا من مرضه وفي ذروة معاناته وفي قمّة الشدّة، اشتكى إلى الله(أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [سورة الأنبياء: 83].
وفي هذه اللّحظة التي توجه فيها سيدنا أيوب إلى ربّه داعياً ومتضرّعا، استجاب الله له وأمره أن يضرب الأرض برجله فانفجرت من تحتها عين ماء فشرب واغتسل منها، فعادت إليه صحّته وعافيته وخَرّ ايوب ساجداً لله على تلك النعمة.
أما زوجة أيوب فقد أصابها القلق على زوجها الذي تركته، وعرفت أنها أخطأت في حقّه، وأن الشيطان أبعدها عن الحق فعادت إلى المكان الذي فيه زوجها وهي ملهوفة ومتحسّرة ونادمة على ما بدر منها. فوجدته قد صار معافي سليما، وكان جزاء سيدنا ايوب على صبره على الابتلاء وعدم ضيقه بمصابه الجلَلْ، أن أنعم الله عليه بأكثر مما كان عنده.
قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص 41 – 44].