الحرب الأوكرانية… روسيا تعتمد استراتيجية الظلام لشتاء صعب
مع دخول الحرب الأوكرانية شهرها العاشر من دون حسم، ووسط تضاؤل فرص الحلول لأدنى مستوى، بعد التصعيدات الروسية الأخيرة والشروط الأوكرانية، باتت عقارب الساعة غير قابلة للعودة إلى ما قبل 25 فبراير 2022.
أمام هذا الواقع، فإنه مع حلول فصل الشتاء الذي يطرق الأبواب، لن تكون الحرب هي الشيء الوحيد الذي يجب أن يقلق الأوكرانيون بشأنه، فالظلام الدامس جراء الانقطاعات المتتالية للكهرباء، بفعل الضربات الروسية المتزايدة، تمثل تحديات هائلة للأوكرانيين، نظامًا ومواطنين، كون الخيارات المتاحة قصيرة المدى، وغير فعالة بشكل كبير.
وتركزت المعارك الأخيرة في الحرب الروسية، التي دامت تسعة أشهر ونصف الشهر في أوكرانيا، على أربع مقاطعات ضمتها روسيا، أواخر سبتمبر الماضي، بينما يشير القتال الدائر إلى محاولات روسية لفرض سيطرتها على تلك المناطق، وإصرار أوكرانيا على استعادتها.
فما أبرز التطورات الميدانية؟
أفادت هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني، بوقوع هجمات صاروخية ونحو 20 غارة جوية، وأكثر من 60 هجومًا صاروخيًا عبر أوكرانيا، بين الجمعة والسبت.
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان العامة الأوكرانية أولكسندر شتابون، إن القتال الأكثر نشاطًا كان في منطقة باخموت، حيث تعرض أكثر من 20 مكانًا مأهولًا إلى النيران، مشيرَا إلى أن القوات الأوكرانية صدت هجمات روسية في دونيتسك ولوهانسك المجاورة.
ونجح هجوم روسيا الشرقي الطاحن، في الاستيلاء على كل لوهانسك تقريبًا خلال الصيف، بينما قال محللون ومسؤولون أوكرانيون إن دونيتسك أفلتت من المصير نفسه.
وبعد أن استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على مدينة خيرسون الجنوبية قبل شهر تقريبًا، احتدمت المعركة حول باخموت، ما يدل على رغبة بوتين في تحقيق مكاسب، بعد أسابيع من الانتكاسات الواضحة في أوكرانيا، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
سيؤدي الاستيلاء على باخموت إلى تمزيق خطوط الإمداد الأوكرانية، وفتح طريق للقوات الروسية للتقدم نحو كراماتورسك وسلوفيانسك، معاقل أوكرانيا الرئيسية في دونيتسك.
وشكك بعض المحللين في المنطق الاستراتيجي لروسيا، في السعي الحثيث للسيطرة على باخموت والمناطق المحيطة بها، التي تعرضت أيضًا لقصف مكثف في الأسابيع الماضية، حيث أفاد مسؤولون أوكرانيون بأن بعض السكان كانوا يعيشون في أقبية رطبة.
كما أبلغ الجيش الأوكراني –السبت- بضربات في مقاطعات أخرى: خاركيف وسومي في الشمال الشرقي، ودنيبروبتروفسك وسط أوكرانيا، وزابوريجيا في الجنوب الشرقي، وخيرسون في الجنوب.
وقال رئيس الحكومة المحلية مكسيم مارشينكو، إن هجمات الطائرات المسيرة في أوديسا، وهي مدينة ساحلية رئيسة على البحر الأسود إلى الغرب، تركت معظم مناطقها بلا كهرباء.
وقال حاكم منطقة دونيتسك بافلو كيريلينكو، إن القوات الروسية تضغط على باخموت بهجمات يومية، رغم تكبدها خسائر فادحة.
وأضاف: يمكنك وصف هذه الهجمات بأنها وقود للمدافع. إنهم يعتمدون في الغالب على المشاة وبدرجة أقل على الدروع، ولا يمكنهم التقدم. وفي لوهانسك المجاورة شرقي أوكرانيا، قال الحاكم الإقليمي سيرهي هايداي، إن الجيش الأوكراني يدفع هجومه المضاد تجاه كريمينا وسفاتوف.
وفي الجنوب، قال حاكم إقليم خيرسون ياروسلاف يانيشيفيتش، إن ثمانية مدنيين أصيبوا بقصف روسي، في الأربع والعشرين ساعة الماضية. وفي مدينة خيرسون، التي استعادت أوكرانيا السيطرة عليها الشهر الماضي، تضرر مستشفى أطفال ومشرحة.
وقال فالنتين ريزنيشنكو حاكم زابوريجا، إن القصف الروسي دمر المباني السكنية وخطوط الكهرباء.
وفي منطقة خاركيف شمال شرقي البلاد، قال الحاكم أوليه سينيهوبوف، إن ثلاثة مدنيين أصيبوا في قصف روسي، بينما قُتل شخص في وقت لاحق.
وتقول أوكرانيا إن مناطقها الجنوبية تعاني أسوأ حالات انقطاع التيار الكهربائي، بعد أيام من الهجمات الروسية الأخيرة على شبكة الطاقة.
وقال وزير الخارجية الأوكراني إن الحكومة تعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، لإنشاء منطقة آمنة حول محطة زابوريجيا النووية، التي تسيطر عليها روسيا.
ضرب الكهرباء
وتقول شبكة سي إن إن الأمريكية، إن المهندسين الأوكرانيين يجرون إصلاحات لشبكة الكهرباء التي تضررت كثيرًا، إلا أن هذه الإصلاحات غالبًا لا تفي بالمواصفات الفنية للشبكة، لكنه حذر من أن معدات الشركة تنفد.
ولتحقيق استقرار الشبكة في أوكرانيا، تمر بعض الكهرباء الموجهة إلى كييف أو أوديسا عبر أوروبا وتعود إلى أوكرانيا.
وقال مسؤول أوكراني: بينما يعمل المهندسون على مدار الساعة، تتناقص النسبة المئوية لعجز الكهرباء تدريجيًا، مشيرًا إلى أن الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية تعود مرة أخرى إلى منشآت الطاقة الأوكرانية، وتدمر كل ما تم ترميمه.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن القوات الروسية دمرت مدينة باخموت شرقي أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الوضع لا يزال «صعبًا للغاية» بالعديد من مدن المواجهة في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك شرقي أوكرانيا.
«باخموت، سوليدار، مارينكا، كريمينا»، مناطق قال عنها زيلينسكي في خطابه الليلي: «لم يعد هناك مكان للعيش على أرض هذه المناطق، التي لم تتضرر من القذائف والنيران»، مشيرًا إلى أن تلك المدن وجدت نفسها مرة أخرى في مرمى النيران.
ما موقف الغرب؟
حثَّ بوريس جونسون الدول الغربية على «النظر بشكل عاجل» في ما يمكنها القيام به لدعم أوكرانيا، على أمل إنهاء الحرب ضد روسيا في أقرب وقت من العام المقبل.
وفي مقال بصحيفة وول ستريت، قال رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي أشاد به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كحليف رئيس في حرب البلاد ضد روسيا، إن إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن «في مصلحة الجميع، بما في ذلك روسيا».
وأضاف أنه رغم أن الالتزام المالي الكبير تجاه أوكرانيا مؤلم، خلال فترة قيود الميزانية، فإن «الوقت هو المال، وكلما طالت مدة هذا الالتزام، سننتهي جميعًا إلى دفع المزيد من الدعم العسكري».
دعم إيراني
يأتي ذلك، بينما قالت وزارة الدفاع البريطانية إنه من المرجح أن يزداد دعم إيران للجيش الروسي في الأشهر المقبلة، متوقعة أن تقدم موسكو لطهران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري في المقابل.
وأكدت أن روسيا استخدمت -على الأرجح- نسبة كبيرة من مخزون صواريخ إسكندر البالستية قصيرة المدى من طراز إس إس -26 إسكندر، التي يمكن أن تحمل رأسًا حربيًا يبلغ وزنه 500 كيلوجرام حتى 500 كيلومتر.
وتابعت: إذا نجحت روسيا في إدخال عدد كبير من الصواريخ البالستية الإيرانية في الخدمة، من المرجح أن تستخدمها لمواصلة وتوسيع حملتها من الضربات ضد البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا.
وحذر زعيم “الناتو” من أن القتال في أوكرانيا قد يخرج عن نطاق السيطرة ويصبح حربًا بين روسيا والحلف، وفقًا لمقابلة نُشرت الجمعة.
وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، في تصريحات لمحطة الإذاعة النرويجية: «الأمور يمكن أن تسوء بشكل رهيب. إنها حرب مروعة في أوكرانيا. إنها يمكن أن تتحول أيضًا إلى حرب شاملة. نحن نعمل كل يوم لتجنُّب ذلك».
كيف ردت روسيا؟
أعلنت موسكو أنها تمنع 200 مسؤول كندي من دخول روسيا، ردًا على عقوبات مماثلة من أوتاوا، بينما قالت «سي إن إن»، إن وزير الصحة جان إيف دوكلوس ورئيس البنك التجاري الكندي فيكتور دوديج كانا بين المستهدفين.
وقالت وزارة الخارجية الروسية، إن هذه الخطوة تأتي ردًا على “عقوبات شخصية ضد المسؤولين الروس»، واصفة سياسة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، بأنها «معادية للروسوفوبيا».
وتشمل القائمة أيضًا المتحدثة باسم حزب المحافظين سارة فيشر، والرئيس التنفيذي لشركة تيلي سات، دانيال غولدبرغ، والمسؤول الانتخابي الرئيسي ستيفان بيرولت، والعديد من الكنديين البارزين من أصل أوكراني.
في التعليقات التي عكست التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب، قال الرئيس فلاديمير بوتين، إن موسكو قد تفكر في استخدام ما وصفه بالمفهوم الأمريكي للضربة الاستباقية.
وأثار فلاديمير بوتين إمكانية التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مع تأكيد أن هجومه العسكري لا يزال قيد التخطيط، قائلًا: “عملية التسوية ككل، نعم، من المحتمل أن تكون صعبة وتستغرق بعض الوقت، لكن -بطريقة أو بأخرى- يتعين على جميع المشاركين في هذه العملية، الاتفاق مع الحقائق التي تتشكل على الأرض”.