الحج وكيفية أدائه وفضله وكل ما يتعلق به
تعريف الحجِّ يعتبر الحجُّ ركناً من أركان الإسلام الخمسة، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في ما يرويه عن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه قال: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،وهو من العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده المسلمين، لذا يشهد البيت الحرام في كلِّ عامٍ وفي شهر ذي الحجَّة تحديداً توافداً عظيماً لجموع المسلمين الذين جاؤوا من كلِّ بقاع الأرض ليؤدوا هذه الفريضة العظيمة، وسنوضح في هذا المقال تعريفٌ بفريضة الحجِّ، وتوضيحٌ لخطواته ومناسكه، وبيانٌ لفضله وثمرته.
الحجُّ في اللغة مأخوذٌ من الجذر اللغوي حجج، والحجُّ بمعنى القصد، وحججت فلاناً أي قصدته، ومنه الحجُّ إلى بيت الله الحرام؛ أي قصده بالزيارة لأداء النُّسك،
أمَّا الحجُّ في الاصطلاح الفقهي فهو قصد البيت الحرام والمشاعر المقدَّسة للقيام بأعمالٍ مخصوصة، وهي وفق قول جمهور الفقهاء هي الوقوف بجبل عرفة، والطَّواف بالكعبة المشرَّفة، والسَّعي بين الصفا والمروة في أشهرٍ معلوماتٍ وفق شروطٍ وهيئةٍ مخصوصةٍ مع النِّيَّة كما جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
خطوات الحجِّ بالتَّرتيب
إنَّ للحجِّ أنواعاً ثلاثةً يتَّخيَّر الحاجُّ أحدها وينويه عند إحرامه من الميقات، وهي التَّمتُّع: وهو أن يحرم الحاجُّ في أشهر الحجِّ للعمرة وينويها، ويؤديها عند وصوله مكَّة ويتحلَّل من إحرامه تحلُّلاً كاملاً، حتى إذا كان اليوم الثَّامن من ذي الحجة جدَّد إحرامه للحجِّ من مكانه، أو القران: وهو أن يحرم الحاجُّ بالعمرة والحجِّ معاً ويأتي بهما في نسكٍ واحدٍ، أو الإفراد: وهو الذي ينوي الحاجُّ فيه الحجَّ فقط ويحرم له وحده، ويلزم من أحرم متمتِّعاً أو قارناً أن ينحر الهدي في يوم النَّحر؛ لقول الله تعالى: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، ويبدأ الحجُّ للحجَّاج جميعهم بالإحرام، فإن وصلوا مكة وبلغوا بيت الله الحرام طافوا بالكعبة المشرَّفة سبعة أشواطٍ مبتدئين بالحجر الأسود، وهو طواف العمرة لمن كان متمتعاً، وطواف القدوم لمن كان مفرداً أو قارناً عند جمهور الفقهاء، فإذا فرغوا من الطَّواف صلو ركعتين عند مقام إبراهيم إن أمكن ذلك، ثمَّ يسعى الحجَّاج بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ، وهو سعي العمرة للمتمتع، وسعي العمرة والحجِّ للقارن، وسعي الحج للمفرد، وبعد الطَّواف والسَّعي يتحلَّل المتمتِّع من إحرامه فيحلق أو يقصِّر ليتحلَّل بذلك من إحرامه ويعود ليجدِّد إحرامه في اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة ، أمَّا المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهم ولا يتحلَّلا منه، فإذا كان اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة يشرع جميع الحجَّاج في المناسك الآتية على الترتيب:
المبيت في مِنى: يخرج الحجَّاج إلى مِنى في اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة وهو اليوم المسمَّى بيوم التَّروية، يبيتون فيها ويصلُّون فيها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم الذي يليه وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة أي يوم عرفة.
الوقوف بعرفة: بعد طلوع فجرِ يوم عرفة وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة يسير الحجَّاج من مِنى إلى جبل عرفة، ويقفون فيه ويؤدون صلاتي الظهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ، ويعكفون على الذِّكر والدُّعاء حتى غروب الشَّمس.
المبيت في مزدلفة: عند غروب شمس يوم عرفة يزلف الحجَّاج وينتقلون إلى مزدلفة، فيصلُّون فيها المغرب والعشاء جمع تأخيرِ، ويبيتون ليلتهم فيها.
يوم النَّحر: في هذا اليوم وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة يسير الحجَّاج من مزدلفة إلى مِنى ويسنُّ أن يكون سيرهم إليها قبل طلوع الشَّمس ويقومون فيها بأعمالٍ شعائر عدَّة؛ أوَّلها رمي جمرة العقبة وتسمَّى الجمرة الكبرى، فيرمي الحجَّاج فيها بسبع حصياتٍ ويكبِّرعند رمي كلِّ واحدةٍ، ومع الرَّمي يتوقَّف الحجَّاج عن التلبية، ثمَّ يقوم من كان من الحجَّاج متمتعاً أو قارناً بذبح الهدي، ويكون ذبح الهدي في حقِّهما واجباً، أمَّا في حقِّ غيرهم من الحجَّاج فسنَّة، ويحلق الحجَّاج رؤوسهم أو يُقصِّرونها والحلق أفضل للرجال، فيتحلَّلون بذلك من إحرامهم التَّحلل الأول، فيحلُّ لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم إلا مباشرة النِّساء، ثمَّ ينزل الحجَّاج إلى مكَّة، ويطوفون طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، ويسعى من لم يسع منهم بين الصفا والمروة عند أول وصوله لمكة، وبعدها يحقُّ لهم التَّحلُّل الثَّاني من الإحرام، وبه يحلُّ لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم حتى مباشرة النِّساء.
أول وثاني أيام التَّشريق: يعود الحجَّاج إلى منى في أول وثاني أيام التَّشريق أي ثاني وثالث أيام النَّحر، ويبيتون فيها هاتين الليلتين، والمبيت في منى هذان اليومان واجبٌ عند الجمهور وسنة عند الحنفية، ويقومون في هذين اليومين برمي الجمرات الثَّلاث: الجمرة الأولى وتعرف بالجمرة الصغرى وهي أقرب الجمرات إلى مسجد الخْيف الموجود بمِنى، ثمَّ الجمرة الثَّانية أو الوسطى، ثمَّ الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى، فيرمون في كلِّ واحدةٍ منها بسبع حصياتٍ، ويدعون بين كلِّ جمرتين، ثمَّ إذا انتهى الحجَّاج من الرَّمي في اليوم الثَّاني من أيام التَّشريق يتاح لهم الخِيار بين التَّعجل والعودة لمكة وبين البقاء والمبيت في مِنى ليلة الثَّالثة من أيام التَّشريق.
ثالث أيام التَّشريق: يرمي الحجَّاج غير المتعجلين الذين باتوا في منى هذ الليلة الجمرات الثلاث كما فعلوا في اليومين السَّابقين، ثمَّ ينفرون إلى مكَّة بعدها.
طواف الوداع: عند عودة الحجَّاج إلى مكَّة إن أرادوا الرجوع إلى بلادهم فيطوفون بالكعبة المشرَّفة سبعةً أشواطٍ في طوافٍ يسمَّى طواف الوداع إيذاناً بانتهاء أدائهم لمناسك الحجِّ وتوديعاً لبيت الله الحرام، وهو طوافٌ واجبٌ عند جمهور الفقهاء، والحكمة منه أن يكون آخر عهد الحجَّاج بحجَّتهم التي حجُّوها ومناسكهم التي أدوها بيت الله الحرام.
حُكم الحجِّ جاءت نّصوصٌ شرعيَّةٌ عدَّة من القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة تتحدَّث عن الحجِّ وتفصيلاته وتبيِّن حُكمه، فالحجُّ فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ مستطيعٍ وقادرٍ على أدائه مرَّةً في العُمر، يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، والإجماع منعقدٌ على أنَّ الحجَّ فرضٌ على من استطاعه، وهو من الأمور المعلومة من الدين بالضَّرورة أي يكفر منكره وجاحده.
فضل الحجِّ
إنَّ لحجِّ بيت الله الحرام فضلاً عظيماً، وثواباً كريماً يظفر به من استجاب لأمر الله ولبَّى وأدَّى مناسك الحجِّ بحقِّها مخلصاً النِّية لوجه الله تعالى، وإنَّ أول فضلٍ يحوزه الحاجُّ هو العودة مغفور الذَّنب كيوم ولدته أمُّه، ووعد الله تعالى الحاجَّ الذي أدى مناسكه بحقِِّها وقصد بحجِّه طاعة الله تعالى والتزام أمره وكانت نيَّته خالصةً لوجه الله تعالى، فقد وعده الله تعالى بالجنَّة، كما جاء في حديث النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه قال: (الحَجُّ المبْرُورُ ليس لهُ جزَاءٌ إلَّا الجنةُ)