التمرد في النيجر.. خطوط النفط ترسم تقاطعات صراع النفوذ الدولي
وضع صندوق النقد الدولي النيجر على رأس دول أفريقيا المتوقع تحقيقها أعلى معدل نمو بفضل إنتاج النفط بـ2024، لكن يبدو أن العقبات على الطريق.
وشن متمردون موالون للرئيس المعزول محمد بازوم هجوما على خط أنابيب النفط الخام، لكن مراقبين تحدثوا لـ”العين الإخبارية” وضعوا العمل التخريبي ضمن سياق أوسع في إطار الصراع الدولي على النفوذ في غرب القارة السمراء.
وأثار الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، أسئلة بشأن الهجوم، قائلا لـ”العين الإخبارية” “هل الحركة المتمردة تملك القدرات اللازمة لتعطيل الاقتصاد؟، والمهم.. هل يقف خلفها داعمون؟ ومن الغرب خصوصا”.
وتابع “هل هي مجرد حركة من أتباع الرئيس المعزول بازوم غضبت لاعتقاله وتسعى للضغط على المجلس العسكري لإطلاق سراحه، أم أنها جزء من معادلة صراع أكبر؟”.
وأطاح انقلاب عسكري في يوليو/تموز الماضي بالرئيس بازوم، في تطور غير موازين القوى في غرب أفريقيا، إذ سبقه انقلابان آخران في مالي وبوركينا فاسو.
وأدت سلسلة الانقلابات في غرب القارة إلى انهيار النفوذ الفرنسي بالمنطقة، فيما فتحت السلطات العسكرية الجديدة أبوابها أمام روسيا لدعمها في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تمددت بالمنطقة.
أشباح تتحدث الفرنسية؟
وفي تقدير الخبير النيجري، لن تستلم فرنسا بسهولة بعدما أُجبرت على مغادرة البلاد، وهذا ينسحب أيضا على الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال الأمين إن فرنسا لا بد أن تعيد النظر فيما جرى من أجل ترتيب أوراقها، والتعامل مع الواقع الجديد في المنطقة وفق الظروف الجديدة”.
ورأى أنه “في حال لم تستجب السلطات العسكرية في المنطقة لفرنسا فمن المرجح أن تجد حركات التمرد دعما من باريس”، مشيرا إلى أن من شأن ذلك أن يشكل خطرا على النيجر والمنطقة.
وأوضح أن النيجر تواجه حركة إرهاب كبيرة بجانب أزمات أمنية أخرى، أبرزها التهريب والهجرة والجريمة، وقال إن وجود حركة متمردة أخرى في الشمال سيزيد الأمور تعقيدا.
من جانبه، وجه عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالنيجر والكاتب المتخصص في غرب أفريقيا الدكتور علي يعقوب، اتهاما مباشرا لقوى غربية على رأسها فرنسا.
وقال يعقوب: أعتقد أن “دولا غربية تقف خلف هذه الأحداث (هجمات المتمردين)، في رسالة للسلطات بأنها لن تتمكن وحدها من الدفاع عن وجودها، فمن يقف خلف هؤلاء الناس؟ وأين وجدوا الأسلحة؟ ومن الذي يمولهم؟”.
وتوقع يعقوب أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من الأزمات والعمليات التخريبية، في محاولة لما قال إنها “خطة لتضييق الخناق على العساكر ليستسلموا أو ليخضعوا”.
النفط.. إنه النفط
من جهته، رأى عمر الأنصاري القيادي بحزب “التجديد الديمقراطي والجمهوري” بالنيجر أن “المتمردين يعتقدون أن عائدات النفط المتوقعة كانت السبب الرئيسي خلف الإطاحة ببازوم، ولذلك يبنون نهجهم على تعطيل الاستفادة من تلك العائدات”.
وقال الأنصاري لـ”العين الإخبارية” إن المتمردين ينفون وجود صلة لهم بالخارج، لكن سواء أكان هذا صحيحا أم لا ندعو حكومة الأمر الواقع (السلطات العسكرية) بالإعلان عن جدول المرحلة الانتقالية، لكي ينتخب الشعب من يمثله شرعيا.
وأشار إلى أن بلاده اجتمعت عليها أزمات الإرهاب، وانشغال الجيش بشؤون الحكم بدلا من مكافحته، وقال نخشى أن تستغل الجماعات الإرهابية والجهات الخارجية هذا الانقسام فيزداد الوضع الأمني تدهورا، معتبرا أن هذا التمرد وطني ضد انقلاب دون مبررات واضحة، وإذا استمر قد تدعمه بعض القوى الخارجية المناهضة للعسكر.
أمريكا أيضا
أما الكاتب الصحفي الموريتاني -المتخصص في غرب أفريقيا- عبدالله إمباتي فقد ربط بين قرار السلطات العسكرية في النيجر بإخراج القواعد العسكرية الأمريكية من البلاد، وعودة التمرد القديم الذي ينادي بفصل الشمال عن الجنوب.
وأوضح أن اتهام السلطات العسكرية بتورط أمريكي في التمرد يفتقر إلى دليل، لكن دون شك كان الوجود الأمريكي ضامنا للاستقرار في النيجر، وغيابه أسهم في عودة التمرد.
وفي 16 مارس/آذار الماضي ألغى النظام العسكري الحاكم في النيجر “بمفعول فوري” اتّفاق التعاون العسكري المبرم في 2012 مع الولايات المتحدة.
وشدد إمباتي على ضرورة أن نميز بين غياب أمريكا وانعكاس ذلك على الاستقرار، فالتمرد كان موجودا قبل التدخل الأمريكي الذي استطاع إيقافه، وأن وجود أمريكا جعل النيجر في وضعية شبه مستقرة أمنيا.
واعتبرا الخبير الموريتاني أن السلطات بالنيجر أخطأت حين أخرجت القوات الأمريكية دون أن تجد بديلا، خاصة أن مشكلة النيجر عميقة، إذ يختلف شمال البلاد عن جنوبها في تركيبته الاجتماعية، وهو ما ويشبه إلى حد كبير ما كان موجودا في السودان قبل تقسيمه.