الانتخابات التركية المقبلة.. هل تطيح “طاولة الستة” بكرسي أردوغان؟
بعد نحو ثلاثة أشهر ستشهد تركيا معركة انتخابية حاسمة قد تغير الوجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد بعد 20 عاما انفرد فيها حزب “العدالة والتنمية” والرئيس رجب طيب أردوغان بالسلطة.
ومن المتوقع أن تكون المنافسة شرسة بين الحزب الحاكم، وبين تحالف “طاولة الستة” التي تتألف، كما يوضح الاسم، من ستة أحزاب من تيارات ومرجعيات سياسية متباينة، لكنها أظهرت تصميما على مواجهة أردوغان عبر تقديم مرشح رئاسي توافقي سيكشف عن هويته في الثالث عشر من الشهر الجاري.
تعهدت هذه الأحزاب بالتراجع عن سياسات أردوغان الاقتصادية وتطبيق سياسة نقدية أكثر صرامة واستعادة استقلالية البنك المركزي والعمل على تحسين الوضع المعيشي.
وترجح التقارير الاتفاق على تسمية كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري (أقدم الأحزاب التركية)، أو عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
ومن شأن نتائج الانتخابات أن تجعل من أردوغان، في حال فوزه، “زعيما تاريخيا” يخطو نحو العقد الثالث في حكم البلاد، أو تعيد المعارضة للحكم في “انقلاب دستوري ناعم” سيمثل قطيعة مع إرث العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي.
واستبقت “طاولة الستة”، التي تضم أسماء كانت مقربة من أردوغان مثل أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، طرح اسم مرشحها بالإعلان عن برنامجها السياسي الذي يتضمن إعادة نظام الحكم الرئاسي إلى نظام ديمقراطي برلماني عبر تقليص صلاحيات الرئيس، وجعل منصبه شرفيًا، وتعزيز سيادة القانون وحرية الإعلام.
ويشتمل البرنامج كذلك على خفض العتبة الانتخابية المطلوبة لتمثيل الأحزاب بالبرلمان من 7 % إلى 3% من مجموع الأصوات، وسيكون الحصول على إذن من البرلمان إلزامياً لرفع الدعاوى القضائية المتعلقة بإغلاق الأحزاب السياسية.
وتعهدت هذه الأحزاب بالتراجع عن سياسات أردوغان الاقتصادية وتطبيق سياسة نقدية أكثر صرامة واستعادة استقلالية البنك المركزي، والعمل على تحسين الوضع المعيشي.
وفي موازاة هذا البرنامج السياسي الطموح، يسابق أردوغان وحزبه الزمن من أجل استمالة الناخب التركي عبر محاولات لتحفيز الاقتصاد، إذ أعلن أردوغان عن خطة إنفاق عامة غير مسبوقة من حيث الحجم.
ثمة نقاشات تدور حول ما إذا كان من المسموح لأردوغان الترشح أصلا للرئاسة بعد فترتين قضاهما في المنصب وهو الحد الأقصى المسموح للرئيس بموجب الدستور التركي الحالي.
وتتضمن خطته دعم الطاقة ومضاعفة الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات التقاعدية، بهدف الحد من تأثير التضخم الذي يبدد كل زيادة تقدمها الحكومة.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، أجرى أردوغان سلسلة تغييرات “دراماتيكية” في سياسته الخارجية بدءا من السعي للتطبيع مع دمشق، وتقليص نفوذ التيارات الإسلامية “غير التركية” في بلاده، والانفتاح على محيطه الإقليمي بهدف تقليص الدور التركي في التوترات التي تشهدها المنطقة، وتخفيف حدة الخصومات مع المحيط العربي والإسلامي.
ورغم كل ذلك ثمة تحديات لا يمكن للرئيس المناورة بشأنها كثيرًا، لا سيما وأن المعارضة تشهر جميع أوراقها الرابحة، ومصممة على إزاحته والظفر بالحكم.
جدل الترشح
ثمة نقاشات ساخنة تدور حول ما إذا كان من المسموح لأردوغان الترشح أصلا للرئاسة، بعد فترتين قضاهما في المنصب، وهو الحد الأقصى المسموح للرئيس بموجب الدستور التركي الحالي الذي ينص على أنه “يجوز انتخاب أي شخص كرئيس للجمهورية لفترتين، مدة كل منهما 5 سنوات، كحد أقصى”.
وترى الأحزاب الستة بأن ترشح أردوغان للرئاسة في الانتخابات المقبلة، للمرة الثالثة، سيكون مخالفاً للدستور.
لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم، يحاجج، في هذه النقطة، بأن الدستور جرى تعديله لإقرار النظام الرئاسي بديلاً للنظام البرلماني في 2017، وأجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في يونيو 2018. وبما أن التعديلات لا تُطبّق بأثر رجعي، لا يمكن اعتبار أن أردوغان يترشح للمرة الثالثة، إذ يُعد ترشحه للرئاسة عام 2018 هو الأول وفق التعديلات الدستورية الجديدة، وعليه يحق له خوض الانتخابات لمرة ثانية وأخيرة في الانتخابات المقبلة.
الصوت الكردي.. صانع الملوك
وتشير التقارير الى أن حزب الشعوب الديمقراطي، ذا التوجه اليساري، والذي يضم غالبية كردية، سيمثل بيضة القبان في الانتخابات المقبلة، رغم أن الحزب لم ينضم إلى “طاولة الستة” في ضوء تعقيدات المشهد السياسي التركي الذي يجمع، رغم الاستقطابات الحادة، على حساسية الملف الكردي.
وأعلن الحزب بأنه سيخوض الانتخابات الرئاسية بمرشحه الخاص، رغم فرصه الضئيلة في الفوز بمفرده.
كان أردوغان رئيسا للوزراء بين 2003 و2014 ثمّ أصبح رئيسا للبلاد في آب/ أغسطس 2014 وقد انتُخب المرة الأولى بالاقتراع العام المباشر، ثمّ أعيد انتخابه عام 2018.
لكن ما يرفع رصيد الحزب هو إدراكه أن أيا من الطرفين “العدالة والتنمية” أو “طاولة الستة” لن يستطيعا حسم المعركة الرئاسية من الجولة الأولى، وبالتالي ستكون هناك جولة ثانية، وهنا سيأتي دور الحزب الذي سيحدد دعمه، لأي من الطرفين، الرئيس القادم لتركيا، وهو ما يمنحه صفة “صانع الملوك”، حسب متابعين للشأن التركي.
ومن المعلوم أنه في حال المفاضلة بين أردوغان وطاولة الستة، فإن حزب الشعوب الديمقراطي سينحاز لـ “طاولة الستة”، وإن على مضض، بالنظر إلى مضايقات أردوغان ضده من توجيه تهم الإرهاب له إلى تجميد تمويله، واعتقال الكثير من أنصاره، فضلا عن أن الرئيس المشترك السابق للحزب، صلاح الدين دميرتاش رهن السجن منذ عام 2016 بتهمة “الدعاية للإرهابيين”.
وتشير مختلف استطلاعات الرأي إلى أن الكتلة التصويتية لحزب الشعوب الديمقراطي تصل إلى نحو 7 ملايين ناخب من إجمالي عدد الناخبين، وهو 60 مليوناً، وهو رقم لا يمكن الاستهانة به.
جيل الشباب
هناك جيل في تركيا، وهو جيل الشباب، لم يعرف زعيما سوى أردوغان، وهو جيل ميال بطبعه إلى التغيير والتجديد؛ ما يعني أن صوته لن يذهب لـ”العدالة والتنمية”.
ويصل عدد مَن يحق لهم التصويت من الشباب بين 18 و25 سنة، في تركيا إلى 6 ملايين ناخب، وتشير الاستطلاعات إلى أن 80% من هؤلاء سيصوتون للمعارضة.
وما يعزز مثل هذا التوجه بالنسبة لهذا الجيل الفتي، هو الأوضاع الاقتصادية المتردية ومسألة حرية التعبير وحملات التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي وشعوره بالتهميش وغير ذلك من القضايا التي تدفعه للبحث عن نظام سياسي جديد.
ويؤيد هذا الجيل كذلك الانفتاح نحو نمط الثقافة الأوروبية، والغربية عمومًا، وهو ما قد تحققه المعارضة لا أردوغان الذي ورط بلاده، بحسب منظور هذا الجيل، في قضايا النزاعات في الشرق الأوسط، على عكس اهتماماته التي تنحصر في تحقيق الذات والتطلع إلى المغامرة وممارسة حياته دون قيود.
ويستعد أردوغان لخوض المنافسة مع الأحزاب الستة، وهي: حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كيليجدار أوغلو، والحزب الخير برئاسة ميرال أكشينار، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، وحزب السعادة برئاسة تمل كارامولا أوغلو، وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والحزب الديمقراطي برئاسة غولتكين أويصال.