أكدت دار الإفتاء المصرية أن قضايا الخصوصيَّة من القضايا الـملحَّة في العصر الحديث؛ بسبب التقدم التِّقَني والوسائل المستحدثة التي تعتمد على اختراق خصوصيَّة الإنسان بشكلٍ غيرِ مسبوق.
وأضافت في تقرير لها حول: “احترام الخصوصية في الإسلام”: “اجتهد الفقهاء -استنباطًا من هذه الأدلة وغيرها- على حقِّ الشخص في حرمة مسكنِه والعيش فيه آمنًا من تطفُّل الآخرين، والنهي عن اختلاس البصرِ واستراقِ السَّمعِ لبيوت الناس، وبالتالي فإنَّ حقَّ الإنسانِ في حماية حياته الخاصة ومعلوماته الشَّخصيَّة مكفولٌ في الإسلام، إلا إذا كانت هذه الحماية سيترتب عليها ضرر أكبر؛ كوقوعِ مفسدةٍ كبرى أو ضياع أموال وحقوق لآخرين، أو تدليس على الناس ومثل ذلك، فحينئذٍ يجب بيان الحقيقة حتى إذا كانت ستنتهك حقِّه في الحفاظ على المعلومات الشخصية؛ لأن وصول الحقوق إلى مستحقِّيها وحمايةَ الأمة من الشرور والبلايا أولى بالاعتبارِ، ومن هنا كان من واجب الشهود الإدلاءُ بشهادتِهم بكلِّ صدقٍ وإخلاص؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾”.
وأوضحت أن الإسلام قدِّم رؤيةً متوازنةً لا إفراط فيها ولا تفريط؛ فنجد أنَّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ينهانا عن التجسُّسِ والغيبَة: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾؛ ونهى الله تعالى عن تَتَبُّعِ البعضِ عورةَ غَيرِه، والبحث عن سرائِره، وأنَّ علينا أن نَقْنَعَ بما ظهر لنا من أمور النَّاسِ، وبناءً على ما يظهر منهم يكون الحُكم عليهم، ولكن التجسُّسَ يكون جائزًا على الأعداء في الحروب؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه آله وسلم يرسل عيونَه للتعرُّفِ على الأعداء وتحركاتهم في الحروب التي كانت تجري بينهم وبين المسلمين.
وأكدت أنه يجب على الإنسان أن يحتاط في حياته من آثار هذه السِّمات الجديدة للعصر الذي نعيش فيه، والذي أصبح انتهاكُ الخصوصيَّةِ أحدَ أبرز سِماته، وعلى الجميع الحذر، بحيث يُقلِّلُ قدر الإمكان من آثارها السلبية عليه وعلى المجتمع، صحيحٌ أنه لن يستطيع التخلُّصَ منها بالكليَّة، ولكن على الأقل يحاول تقليل آثارها بمختلف الوسائل التي تُعينه على ذلك؛ من أجل ألَّا تكون حياتنا وسلوكياتنا وتفصيلاتنا مشاعًا بين الخلق وبأيدي جهاتٍ تحاول استغلالها أو التحكم فيها أو تغييرها بما يحقِّقُ مصالِحها هي بِغَضِّ النَّظرِ عن مدى مصلحَتِنا في هذا التَّغَيُّر من عدمه.