إخوان تونس في 2023.. سنة «الحصاد الأسود»
لم يكن 2023، هو العام الذي كتب شهادة وفاة سياسية لإخوان تونس فحسب، بل سجل رقما قياسيا لخيباتهم وانكساراتهم وجعله سنة الحصاد المر.
وانطلق 2023 بكشف تونس لأكبر مخطط للانقلاب على نظام حكم الرئيس قيس سعيد واعتقال أكبر رؤوس التنظيم، وذلك في 14 فبراير/ شباط الماضي.
وتمثل المخطط الانقلابي في الإطاحة بنظام الرئيس قيس سعيد عن طريق تنصيب السياسي المقرب من الإخوان خيام التركي، في مخطط بتعليمات من زعيم التنظيم راشد الغنوشي.
وبتتبع تحركاته واتصالاته، اعتقل الأمن التونسي التركي في 14 فبراير/شباط الماضي، وجرى ضبط وثائق مهمة وهاتفه وبالإضافة إلى مخطط كتابي يضم دراسة مفصلة حول كيفية رفع الأسعار وحجب المواد الأساسية عن الأسواق التونسية.
وتورطت في هذه القضية قيادات إخوانية من الصف الأول مثل الغنوشي ونور الدين البحيري وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم، وقد تم الزج بهم في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة، إضافة لرجل الأعمال كمال لطيف المعروف برجل العلاقات العامة ولوبيات التأثير.
وخيام التركي كان قياديا بارزا في “التكتل الديمقراطي” بين عامي 2011 و2014، حيث رشحه الحزب وزيرا للمالية في حكومة حمّادي الجبالي (إخواني)، لكنه انسحب إثر تورطه في قضايا فساد مالي، كما رشّحته حركة النهضة الإخوانية، مع أحزاب أخرى، لمنصب رئاسة الحكومة عام 2020، لكن الرئيس قيس سعيد كلف هشام المشيشي بهذه المهمة.
محاولة اغتيال سعيد
في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت السلطات التونسية الإطاحة بمخطط إخواني ثان للانقلاب على حكم سعيد عن طريق اختراق القصر الرئاسي بمساعدة نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي التي شغلت هذا المنصب مع وصول الرئيس سعيد إلى قصر قرطاج.
وأعلنت الداخلية التونسية آنذاك أن هناك معلومات مؤكدة عن تهديدات خطيرة تمس حياة قيس سعيّد وسلامته الجسدية.
وفتح حينها مكتب التحقيق بقطب مكافحة الإرهاب (محكمة مختصة) تحقيقا من أجل قضية جديدة تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة ضد مجموعة يترأسها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد وكمال القيزاني المدير العام السابق للأمن الوطني ومدير المخابرات الأسبق، وزعيم إخوان تونس راشد الغنوشي ونجله معاذ الغنوشي”.
وشملت التحقيقات من قيادات الإخوان مثل؛ علي العريض، ولطفي زيتون، ونادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي السابقة الفارة بالخارج، ومحرز الزواري المدير الأسبق بوزارة الداخلية، وعبد الكريم العبيدي، ومصطفى خذر، المتورطين في قضية اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.
كما تورط في قضية التآمر كمال البدوي وهو سجين سابق من حركة النهضة وعسكري متقاعد، كما أن البدوي متهم في ملف الجهاز السري لحركة النهضة وهو المشرف على الحراسة في منزل راشد الغنوشي.
وأثبتت معطيات التحقيق صلة المتهمين بالأطراف المذكورة في البحث والذين كانوا يقومون بالأعمال التحضيرية للقيام بانقلاب على الرئيس سعيد.
اعتقال الغنوشي
في 17 أبريل/نيسان الماضي، اعتقلت قوات الأمن التونسي الغنوشي بعد مداهمة منزله وتفتيشه، على خلفية “التحريض والدعوة للفوضى والفتنة”.
وقبل اعتقاله بيومين، قال الغنوشي، في خطاب أمام أنصاره، إن “استبعاد حزب النهضة من السلطة هو تمهيد للحرب الأهلية في تونس وبداية لانطلاقة الفوضى في البلاد”، وأضاف أن “تونس بدون النهضة والإسلام السياسي مشروع حرب أهلية”.
كما أغلقت قوات الأمن مقار “النهضة” الإخوانية بعد تفتيشها، وتقرر حظر الاجتماعات بجميع مقرات الحركة في كامل مناطق البلاد، وأيضا حظر الاجتماعات بمقرات “جبهة الخلاص” الموالية للإخوان.
وفي 27 من الشهر نفسه، أعلنت حركة النهضة، في بيان، أنه “في غياب الغنوشي، يتولى نائبه منذر الونيسي تسيير شؤون الحركة إلى حين زوال مسببات الغياب”.
وأصبح الونيسي الرئيس الـ 14 في تاريخ حركة النهضة التي ترأسها راشد الغنوشي عند تأسيس الحزب في أبريل/نيسان 1972، إلى ديسمبر/كانون الأول 1980.
ولم يستمر الونيسي في منصبه كرئيس مؤقت للنهضة طويلا حيث سرعان ما تم توقيفه في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، من قبل السلطات التونسية بتهمة التآمر على أمن الدولة.
وجاء توقيف الونيسي بعد نشر تسريب صوتي له على وسائل التواصل الاجتماعي كشف تلقي الحركة الإخوانية تمويلات خارجية، وملفات فساد قيادتها.
وفي اليوم نفسه، ألقى الأمن القبض على رئيس مجلس شورى حركة النهضة الإخوانية عبد الكريم الهاروني، بعد وقت قليل من توقيف رئيسها المؤقت وذلك من أجل شبهات تتعلق بـ”الفساد المالي والإداري وتبييض الأموال”.
والهاروني عندما كان وزيرا للنقل، منح شركة الطيران الخاصة “سيفاكس أيرلاينز”، التي يملكها البرلماني السابق الإخواني محمد فريخة، محروقات الكيروزان بقيمة 20 مليون دينار من المال العام، وذلك زمن حكم الإخوان.
وإثر توقيف منذر الونيسي رئيس الحركة المؤقت وعبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى الحركة، أعلنت “النهضة” تعيين العجمي الوريمي عضو المكتب التنفيذي ونائب رئيس الحركة، أمينا عاما جديدا لها.
تعديل حكومي
في 2 أغسطس/آب الماضي، أقال قيس سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وعين خلفا لها أحمد الحشاني وأوكل له مهمة تطهير المؤسسات الحكومية من براثن الإخوان .
وبدأت حكومة بودن عملها في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بتشكيلة حكومية تضم 24 وزيرا، إضافة إلى كاتبة دولة وحيدة.
وفي 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، أصدر سعيد مرسوما للتدقيق في التعيينات والانتدابات المنجزة من 14 يناير/كانون الثاني 2011 (تاريخ سقوط نظام زين العابدين بن علي وصعود الإخوان) إلى 25 يوليو/تموز 2021 تاريخ نهاية حكم التنظيم.
ومنذ صعودها للحكم، عمدت حركة النهضة إلى تعيين أتباعها وأنصارها في مفاصل الدولة حسب الولاء، وليس على أساس الكفاءة والتجربة، في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية.
تهريب إرهابيين
في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الداخلية التونسية فرار 5 عناصر خطيرة من سجن بضواحي العاصمة التونسية.
والسجناء الفارون هم نادر الغانمي وعامر البلعزي وأحمد المالكي ورائد التواتي وعلاء الغزواني.
وورد اسم عامر البلعزي أحد أبرز الفارين من السجن في التحقيقات المتعلقة باغتيال بلعيد والبراهمي، فهو من ألقى في البحر المسدسين اللذين استعملا في عملية الاغتيال، وفقا لاعترافاته.
وأحمد المالكي الملقب بـ”الصومالي” محكوم عليه بالسجن لمدة 24 عاما على خلفية الأحداث الإرهابية بضواحي العاصمة.
أما الإرهابي نادر الغانمي، فقد شارك في عدة أعمال إرهابية بتونس كما سبق أن قاتل في سوريا ضمن صفوف تنظيم داعش الإرهابي، ثم عاد إلى تونس لتنفيذ مخططات إرهابية تتمثل أساسا في استهداف الأمنيين والعسكريين.
أما رائد التواتي فهو محكوم بالإعدام شنقا عقب إدانته في قضية قتل ضابط بالجيش التونسي في جبل الشعانبي بالقصرين عام 2019.
وبعد أسبوع من هروب الإرهابيين، عثرت عليهم قوات الأمن التونسي متخفين في ضواحي العاصمة بعد قيامهم بعملية سرقة بنك من أجل تنفيذ عمليات ارهابية لإرباك الوضع الأمني.
“سنة التخبط”
يرى المنجي الصرارفي، الناشط والمحلل السياسي التونسي، أن 2023 كانت “سنة التخبط لدى جماعة الإخوان، حيث حاولوا يائسين بكل الطرق استعادة الحكم من جديد عن طريق محاولة التخلص من الرئيس قيس سعيد وإنهاء مسار 25 يوليو 2021 الإصلاحي”.
ويقول الصرارفي، إنه “لولا يقظة قوات الأمن التونسي لوصل تنظيم الإخوان إلى مبتغاه خاصة أن المؤسسات الحكومية والوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية، لا تزال ملغومة بأنصار الإخوان الذين يعملون على نفث سمومهم والتصدي لكل نفس إصلاحي في الدولة”.
وأشار إلى أن “تونس عاشت في 2023 على وقع محاولة اغتيال قيس سعيد والإطاحة بحكمه وعملية تهريب إرهابيين خطرين”، موضحا أن “كل هذه المحاولات كانت- في صورة عدم التفطن إليها وإحباطها- ستتسبب بالزج بتونس في دوامة من العنف والفوضى، وهذا هو مبتغاهم”.
وبحسب المحلل التونسي، فإن قيس سعيد “يعرف باستماتته في الدفاع عن الدولة من بطش الإخوان، ولذلك وضع كل قوته للتصدي لقوى الردة التي تدفع بالبلاد إلى الوراء، ما جعله محاربا شرسا وشجاعا ومستمرا في مشروعه الإصلاحي”.
ويشير الصرارفي إلى أن سعيد “رفض جميع التدخلات الأجنبية للتوسط للإفراج عن الغنوشي وبفية قيادات الإخوان، واعتبر أن كل هذه التدخلات تشكل مساسا بالسيادة التونسية”.