يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بذكري هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم تلك الهجرة التي كانت فتحا ونصرا مبينا للإسلام والمسلمين بعد أن أمر الله نبيه صلي الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلي المدينة،بعد الأذي الذي لاقاه من أهلها والمصاعب الجمة التي حدثت له، ونحن أثناء تذكرنا لهذا الحدث المهم في تاريخ الإسلام لا بد لنا من ذكر أسباب هذه الهجرة ونتائجها وما كان لها من تأثير في الدعوة الإسلامية فإلي التفاصيل:
يُطلق مصطلح الهجرة النبوية على ذلك الحدث التاريخي الذي حصل في شهر محرم، حيث هاجر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من مكة إلى المدينة المنورة، لتكون هذه الهجرة سبيلاً لإنشاء الدولة الإسلامية، وبداية نشر الإسلام إلى أنحاء المعمورة، ودخول الناس فيه أفواجاً، وقد انتهت بتلك الهجرة النبويّة فصول المرحلة المكية التي كان لها طابعها الخاص، وبدأت مرحلة جديدة من مراحل السيرة النبويّة.
أسباب الهجرة النبوية
كان لحدث الهجرة النبويّة أسباب عديدة، يُذكر منها: عدم تقبل قريش للدعوة الإسلاميّة، ومحاربتهم لله ورسوله، فعلى الرغم من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- استخدم الحكمة، والموعظة الحسنة، والرفق في أسلوب دعوته إلى الإسلام، وحرصه على إيمان قريش، إلا أنّ كفار قريش رفضوا قبول دعوته، وأصرّوا على محاربته، فخرج من مكة إلى المدينة من أجل البحث عن مكان يكون أكثر استعداداً لقبول الدعوة. استعداد أهل المدينة لقبول الدعوة الإسلاميّة، فحينما سمع الأنصار من قبيلة الخزرج بمبعث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عزموا على لقائه ومبايعته، فانتدبوا منهم ستة رجال التقوا مع النبيّ الكريم عند العقبة وبايعوه فيما يسمى بيعة العقبة الأولى، ثم جاء وفد آخر من الأوس والخزرج عددهم اثنا عشر رجلاً -خمسة منهم من الذين بايعوا الرسول عليه السلام في بيعة العقبة الأولى- فبايعوا النبيّ عند العقبة بيعة ثانية، على أن يمنعوه مما يمنعوا منه نساءهم وأولادهم، وعلى أن يرتحل إليهم هو وأصحابه. الأذى الشديد الذي تعرض له النبيّ الكريم من قبل كفار قريش، فقد تعرض النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للأذى من قِبَل قومه بالقول والفعل، أمّا القول فذلك حينما اتهموه بالسحر والجنون، وأمّا الفعل فقد روى عمرو بن العاص أشد ما وجد النبي من كفار قريش، حيث أقبل عليه يوماً عُقبة بن أبي مُعَيط، وهو يصلي في حجر الكعبة، فوضع ثوبه حول عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر الصديق فدفعه عنه، وكذلك تعرض المؤمنون بالدعوة الإسلاميّة للعذاب والنكال من قبل كفار قريش، فكان لا بد من توفير المكان الآمن لهم. ضرورة إقامة الدولة الإسلاميّة، فقد أدرك النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ دعوته هي دعوة عالمية، وتحتاج إلى دولة ذات كيان سياسي، واجتماعي، وعسكري، يحمي الدعوة الإسلامية ومعتنقيها، ويكفل لها حرية الذيوع والانتشار.
دروس الهجرة النبوية
إن لحدث الهجرة النبوية دروساً كثيرةً، منها: إبراز أهمية التضحية في سبيل الدعوة، فقد ترك النبيّ الكريم أحب البلاد إليه، وهي مكة المكرمة من أجل الدعوة، كما لم يتسلّل اليأس إلى قلب النبيّ الكريم حينما تعرّض للأذى والصدّ من قومه، فما أثناه ذلك عن البحث عن أرضٍ صالحةٍ للدعوة، ومن دروس الهجرة حُسن الصحبة، وقد تجلّى ذلك المعنى بأبهى صوره في مصاحبة أبي بكر الصديق للنبيّ عليه الصلاة والسلام، كما كان للتخطيط المسبق دورٌ كبيرٌ في إنجاح الهجرة النبوية، فالراحلة تُجهّز وتُعلَف قبل أربعة أشهر من الهجرة، وعلي -رضي الله عنه- ينام في فراش النبيّ تمويهاً لكفار قريش، ومن دروس الهجرة كذلك: شدّة التوكل على الله، فقد وقف المشركون على باب الغار ولو نظر أحدهم إلى موطىء قدمه لرأى النبيّ وصاحبه، ولكن شدّة التوكل على الله بدّدت مخاوف الصديق، حينما قال له النبيّ: (ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما).
نتائج الهجرة النبوية
بدأت نتائج الهجرة مباشرة بالظهور بعد وصوله عليه الصلاة والسلام؛ حيث أُطلق على يثرب اسم المدينة المنورة، كماتم البدء بإقامة الدولة الإسلامية على أساس المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين ليكونوا بذلك مجتمع المساواة والعدالة. وارتاح المسلمون في المدينة من أذى قريش، حيث بدأوا بالتفكير في توسيع دولتهم. إضافة إلي السعي للقضاء على الضغائن التي سادت بين قبائل العرب قبل الإسلام في طريق توحيدها تحت لواء الإسلام بالمؤاخاة بين الأوس والخزرج والمهاجرين والانصار إضافة إلي انتشار الإسلام الواسع الذي أدى في النهاية إلى فتح مكة ودخول شبه الجزيرة العربية في الإسلام.