أحمد صبحي منصور يكتب: رسول الله والذين معه
استعرضنا في المقال السابق مرات تكرار اسم «محمد» في القرآن الكريم، وذكرنا أنها أربع مرات، وفي كل موضوع منها له دلالاته الخاصة:
أما الأولى ففي قوله جل وعلا: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ»(آل عمران: 144).
وقد جاءت الآية فى التعليق على موقف عصيب في معركة حدث فيها أن استقتل بعض المسلمين ظنًا منهم أن النبى قد قُتل في المعركة.
أما الثانية، فهي قول الله جل وعلا: «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الأحزاب: 40).
محمد خانم الأنبياء والمرسلين
وهذه الآية أخبرت مسبقًا بأن محمدًا (عليه السلام) لن يعيش له ابن حتى يبلغ مبلغ الرجال وينجب ذرية، وأنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده، أي أنه أيضًا خاتم رسل الله جل وعلا، فلا وحي بعده لأي مخلوق إلى قيام الساعة.
أما في الثالثة فيقول تعالى: في أول سورة محمد «الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ، كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ، كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ».
وهي للتأكيد على أن الإيمان إنما يكون بالقرآن الذي نُزل على محمد، ولم يقل «وآمنوا بمحمد» فالإيمان ليس بالشخص، وإنما بالوحي الذي ينزل على النبي أو الرسول.
ونستعرض في الأسطر التالية، الحالة الرابعة التي ورد فيها ذكر اسم «محمد» في القرآن الكريم.
يقول تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الفتح: 29).
وهذا موضوع تدبرنا في هذه الآية الكريمة:
أولًا: عن التوراة والإنجيل
1 ـ ذكر رب العزة جل وعلا في هذه الآية مثلين وردا في التوراة والإنجيل عن (الذين مع محمد).
ذكرتهم التوراة بأنهم: «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ».
وفي الإنجيل مثل زرع نبتت أوراقه وتفرّع وتضخم.
2 ـ هذا يعني أن التوراة الحقيقية والإنجيل الحقيقي ذكرا مُقدمًا مبعث النبي محمد خاتم المرسلين، ليس هذا فقط، بل ذكرت (الذين معه).
وما هو موجود الآن (العهد القديم والعهد الجديد) لا نجد فيهما هذا.
3 ـ ونفهم من القرآن الكريم أن التوراة الحقيقية كانت موجودة لدى أهل الكتاب في وقت نزول القرآن الكريم.
3 / 1: قال جل وعلا: «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37)» (النجم).
أي كانت صحف إبراهيم وتوراة موسى موجودة لديهم، ورب العزة أنزل في القرآن بعض الآيات في سورة النجم بدءًا من هذه الآية إلى نهاية السورة تبين جزء منهما.
3 / 2: وقال في نهاية سورة (الأعلى): «إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)».
وهذا يعني أن ما قبلها ورد في صحف إبراهيم وموسى.
3 / 3: وتحدى رب العزة بني اسرائيل بأن يأتوا بالتوراة التي معهم وهي التوراة الحقيقية ويتلوها ليتعرفوا على الحق الذي أخبر به رب العزة جل وعلا في القرآن: «قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (آل عمران : 93)
3 / 4: وردًا على زعمهم الاحتكام إلى الرسول، قال جل وعلا: «وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ» (المائدة : 43)
تشريعات التوارة والإنجيل
4 ـ وعن الإنجيل الحقيقي قال جل وعلا: «وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٤٦﴾ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٤٧﴾» (المائدة).
ولأن الإنجيل الذي معهم كان حقيقيًا فيه تشريعات الرحمن، فقد أمرهم جل وعلا أن يحتكموا إلى ما أنزله الله جل وعلا في الانجيل الذي هو هدى ونور.
5 ـ وتكرر في القرآن الكريم إنهم كانوا يعرفون القرآن أو الرسالة والرسول كما يعرفون أبناءهم، وأن فريقًا منهم كانوا يكتمون الحق وهم يعلمون وقد خسروا بهذا أنفسهم.
قال جل وعلا: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (البقرة : ١٤٦).
وقال تعالى: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» (الأنعام: 20)
6 ـ في ظروف تاريخية تم تحريف التوراة وتم إخفاء الإنجيل الحقيقي ووضع أناجيل مكتوبة بيد مؤلفين فيها سيرة المسيح من وجهة نظرهم، كما فعل ابن إسحاق وابن هشام في كتابة السيرة الملفقة المسماة بالسيرة النبوية.
من مقال «تدبرًا في الآية الكريمة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)»، المنشور بموقع أهل القرآن.