الصيام، هو رُكنٌ من أركان الإسلام الخَمسة، ومن فضائل الصيام أنّ الله تعالى جعل الصيام له، واختصّه لنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به)، وهو أحد أعظم الأعمال، وأفضلها عند الله تعالى؛ لِما ورد عن أبي أمامة الباهلي، قال: (قلتُ يا رسولَ اللَّهِ مُرني بأمرٍ ينفعُني اللَّهُ بِهِ، قالَ: عليْكَ بالصِّيامِ، فإنَّهُ لا مثلَ لَه).
ويتّقي المسلم عذاب الآخرة بالصيام، كما يتّقي به شهوات الدُّنيا، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ)، إضافة إلى أنّ الصيام هو أحد سُبل تحقيق الصبر في النفس، وفيه تحصيلٌ لمغفرة الله تعالى، وهو سبب لتكفير الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ، ونَفْسِهِ ووَلَدِهِ، وجارِهِ؛ يُكَفِّرُها الصِّيامُ والصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ).
والصيام من الأعمال التي تشفع لصاحبها يوم القيامة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ ، يقولُ الصِّيامُ: ربِّ إنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهارِ ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ ، ويقولُ القُرْآن: ربِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ ، فيشَفَّعَانِ)، وهو سبب لدخول الجنّة، ومن فضائله في الدُّنيا أنّ للصائم دعوة مستجابة، ورائحة فمه أطيب عند الله تعالى من رائحة المسك، وهو مُطهّر للقلب، وهو من الكفّارات الشرعيّة، ككفّارة حَلف اليمين، قال تعالى: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)، ومن مواقيت الصيام المسنونة خارج شهر رمضان صيام العَشر الأوائل من ذي الحجّة، وبيان ذلك فيما يأتي:
– فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة:
تُعَدّ العَشر الأوائل من ذي الحجّة من الأيّام المباركة في الشرع، وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على استغلالها بالأعمال الصالحة وبجهاد النفس، ووصف العمل فيها بأنّه أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ فقال: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ)، ولم يُقيّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأعمال الصالحة في هذه الأيّام بعمل مُعيَّن، وجعل الأمر مُطلَقاً؛ فالعمل الصالح أنواعه كثيرة، ويشمل ذلك ذِكر الله -تعالى-، والصيام، وصِلة الرَّحِم، وتلاوة القرآن، والحجّ؛ ممّا يعني اجتماع أجلّ العبادات في الإسلام وأفضلها في هذه الأيّام، ولفظ الأيّام الوارد في الحديث المذكور يدلّ على أنّ العمل الصالح يستغرق اليوم كلّه، واليوم في الشرع يبدأ منذ طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، وأفضل عمل يستغلّ به المسلم نهار هذه الأيّام هو الصيام، كما أنّ أفضل ما يُستغَلّ فيه الليل صلاة القيام، أمّا حُكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجّة فهو مندوب، بينما حُكم قيام الليل أنّه سُنّة.
وقد حافظ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على صيام العَشر من ذي الحجّة،؛ ودليل ذلك ما ورد في السنّة النبويّة من حديث حفصة -رضي الله عنها-، قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ).
وعلى الرغم من عدم ثبوت صحّة بعض الأحاديث الواردة في فضل صيام هذه العَشر على وجه الخصوص، إلّا أنّه لا يمنع من صومها، ويُشار إلى أنّ صيام اليوم التاسع من ذي الحجّة؛ وهو يوم عرفة مشروع لغير الحاجّ؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)، ويوم عرفة من الأيّام العظيمة، وحَريّ بالمسلم أن يستغلّ فيه نَفَحات الرحمة، كما يُستحَبّ أن يصومه المسلم غير الحاجّ؛ ابتغاء تكفير ذنوبه.
– حُكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجّة:
ذهب الفقهاء إلى استحباب صيام الأيّام العشر الأوائل من ذي الحجّة باستثناء يوم عيد الأضحى المبارك؛ أي يوم النَّحر؛ وهو اليوم العاشر من ذي الحجّة؛ إذ يحرم على المسلم أن يصوم يوم العيد باتّفاق الفقهاء، وعلى الرغم من عدم ثبوت دليل على استحباب صيام هذه الأيّام التسع، إلّا أنّ الفقهاء استدلّوا على ذلك بعموم أدلّة استحباب الصوم وفَضله، وكون الصوم من الأعمال التي حَثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.