آليات مواجهة التطرف الفكري عبر وسائل الاتصال الحديثة
تمتلك وسائل الإعلام قدرات كبيرة على التأثير في الجمهور، عن طريق ما تقدمه من معلومات، وما تمتلكه من أدوات اقناعية كبيرة على مستوى الصوت والصورة والمقاطع المتحركة وغيرها، لذا أصبحت هذه الوسائل إحدى أهم مصادر المعلومات في العصر الحديث.
ويزداد اعتماد الفرد على وسائل الإعلام بصورة مطلقة كلما نقص معدل الثقافة لديه، إذ لا يمتلك آنذاك القدرة على البحث حول مصدر تلك المعلومات، والتأكد من مدى صحتها وقابلية حدوثها، ولكن ذلك لا يقلل من الدور الكبير الذي تلعبه هذه الوسائل على مستوى توجيه الجمهور.
الإعلام والتطرف الفكري
وازداد الاحتياج إلى وسائل الإعلام في إطار عملية مواجهة التطرف الفكري، إذ يجب أن يتعامل الإعلام مع الحوادث الإرهابية بصورة ذكية وفعالة، تساهم في الحفاظ على الهدوء بين صفوف المواطنين، وعدم نشر الفزع والرعب بينهم.
وسعى الباحث الدكتور هشام الشافعي إلى التعرف على طبيعة هذا الدور عبر دراسته «دور وسائل الإعلام في مواجهة التطرف الفكري»، التي نشرها في العدد الأول من مجلة “العربي للدراسات الإعلامية”، التابعة للمركز العربي للأبحاث والدراسات الإعلامية، في أبريل 2019.
ورأى الباحث أن التطرف الفكري هو أسلوب مغلق للتفكير والبحث، يتسم بعدة القدرة على تقبل أي معتقد أو إيمان يختلف عن معتقد الشخص أو الجماعة التي ينتمي إليها، ولا يمكن بالنسبة له التسامح به أو قبول وجوده.
ويضيف “الشافعي” أن العلاقة بين التطرف الفكري وبين الإرهاب علاقة شائكة، إذ أن التطرف يقف بمعزل عن الاثنين، ولكن عندما يرتبط التطرف بالفكر، وتصبح معتقدات الفرد متطرفة وبعيدة عن المعقول، يسعى إلى تطوير هذا الفكر إلى فعل وإيجاد موطئ قدم له على أرض الواقع، وهو ما يؤدي لحدوث العمليات الإرهابية، لذا فالتطرف هو الشرارة الأولى التي تشعل فتيل العنف والإرهاب، خصوصًا إذا أخرج الفكرة من دائرة العقل إلى أرض الواقع، ما يحوله إلى أنماط عنيفة من السلوك، ويظهر ذلك في الاعتداء على الأفراد والحريات والممتلكات وغيرها، بهدف نشر وتعميم فكر واحد يؤمن به الفرد.
وترى الدراسة أن بروز هذا الأمر، ساهم في تعزيز دور وسائل الإعلام، خصوصًا مع التحولات التي شهدها الفكر الاتصالي مع التطورات التكنولوجية، إذ لم تعد المعلومة وصناعة الخبر أمرا محصورا ومحتكرا على فئة أو جماعة بعينها، ولكن مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، أصبح كل فرد قادر على أن يصبح صحفيًا مستقلًا، وهو ما سمح للتنظيمات المتطرفة باستخدام ذلك لبث الدعاية الإرهابية، ونشر خطاب الكراهية عبر الإنترنت عن طريق بث أخبار غير صحيحة ومشكوك في مصداقيتها، بهدف نشرها بين المواطنين وإثارتهم ضد أنظمتهم ودولهم، وهو ما يسمح لهم بالتوغل والانتشار داخل هذه الدول، كما حدث في العراق وسوريا واليمن وغيرها.
جذرية حلول
اعتبر الباحث هشام الشافعي أن هذه الأزمة تعد مؤثرًا قويًا وبالغ الخطورة على استقرار الأمم، لذا كان لابد من دعم الأمن الفكري من قبل المؤسسات الإعلامية، وذلك عن طريق البرامج التوعوية بأخطار الفكر المتطرف، وفضح مصادر التمويل، والأساليب التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في التجنيد عبر الإنترنت والحصول على الأسلحة، وضرورة تجديد الخطاب الديني ونشر فكر الإسلام الوسطي، عبر تشجيع الحوار والمناقشة الموضوعية، مع إتاحة الفرصة لكافة الأفراد كي تعبر عن فكرها، حتى لا يتحول هؤلاء إلى الإرهاب والتطرف.
إضافة إلى ضرورة إطلاع المواطنين على كافة المخاطر التي تواجهها الدولة خلال مواجهتها لظاهرة الإرهاب، وذلك عن طريق نشر المعلومات الصحيحة وتوعية المواطنين، وذلك عن طريق الأفلام الوثائقية والبرامج الحوارية والدينية وغيرها، بحسب الدراسة.
وتوضيح وسائل الإعلام للقوانين الرادعة الخاصة بنشر الفكر الإرهابي والانتماء لجماعات متطرفة، بالإضافة إلى عرض جهود أجهزة الأمن في مواجهة هذه الظاهرة، حتى يعرف الجميع دور الدولة في ذلك، وتهديد كل من يفكر في القيام بعمليات مشابهة، وحث المواطنين على دعم أجهزة الآن في حربهم على الإرهاب.
وأوصى الباحث هشام الشافعي في دراسته «دور وسائل الإعلام في مواجهة التطرف الفكري»، بضرورة إعداد برامج تدريبية للعاملين في مجال الإعلام للتعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف، ومحاولة مخاطبة الدول الأخرى عبر برامج بلغات مختلفة للتعريف بحقيقة الإسلام، ومواجهته للإرهاب.