الشعلة

كل ما تريد معرفته عن «أم البطل» لشريفة فاضل

 

تلقت الفنانة شريفة فاضل في صباح يوم عصيب من أيام حرب الاستنزاف أصعب خبر من الممكن أن تسمعه أم في حياتها وهو استشهاد نجلها الأكبر وأول فرحتها الملازم أول طيار «سيد السيد بدير» أثناء أحد الاشتباكات مع العدو، كان شابًا يافعًا قويًا، يمتلئ بالشباب والحيوية، حديث التخرج، تلقى تدريباته على الطيران في روسيا..

هبط هذا الخبر على المطربة الشهيرة  كالصاعقة، أصيبت بعد ه بانهيار عصبي حاد دفعها لاعتزال الجميع، أسرتها، جيرانها، أصدقائها، حتى حياتها الفنية ابتعدت عنها تمامًا بعدما أعلنت اعتزالها الفن

مرت أسابيع وشهور علي الخبر المشئوم والفنانة المعتزلة حبيسة غرفتها، لم يتبق لها من حياتها مع نجلها سوى شريط من الذكريات يمر أمامها بين الحين والأخر وكأنه مشهد سينمائي حزين.

بعد فترة من الزمن تماسكت الفنانة الكبيرة  وانتفضت من عزلتها وقررت كسر حاجز الصمت الذي غلف حياتها من خلال إنشاد أغنية وطنية تخرج بها للنور وتُحلق بها إلى آفاق بعيدة، لذا قامت بالاتصال هاتفيًا بصديقتها الشاعرة الكبيرة «نبيلة قنديل»، وطلبت مقابلتها لأمر هام هي وزوجها المُلحن الكبير آنذاك «على إسماعيل».

كانت فرحة الشاعرة كبيرة نظرًا لأنها المرة الأولى التي تقرر فيها الفنانة شريفة فاضل الخروج من حالة العزلة التي انتابتها منذ خبر استشهاد نجلها، وفي الموعد والزمان المحددين، تقابلت الفنانة  مع صديقتها الشاعرة وطلبت منها كتابة كلمات أغنية لنجلها الشهيد، شردت الشاعرة بتفكيرها للحظات ثم أومأت برأسها بالموافقة والدموع تملئ عينيها .

بعدها قامت  الشاعرة  والمؤلفة «نبيلة قنديل»  بصحبة الفنانة إلي غرفة الملازم أول الشهيد طيار سيد بدير، وأغلقت على نفسها الباب من الداخل وبعد عدة ساعات خرجت من الغرفة وهي تحمل في يدها ورقة بكلمات الأغنية، وبدأت في قرأتها أمام زوجها الملحن «علي إسماعيل والفنانة المعتزلة آنذاك شريفة فاضل».

ابني حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل.. كل الحبايب بتهنيني.. طبعًا ما أنا أم البطل.

يا مصر ولدي الحر.. أتربى وشبع من خيرك.. أتقوى من عظمه شمسك.. أتعلم على أيد أحرارك.. أتسلح بإيمانه واسمك..

– شد الرحال.. شق الرمال.. هد الجبال.. عدى المحال.. زرع العلم.. طرح الأمل.. وبقيت أنا أم البطل.

ابني حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل.. كل الحبايب بتهنيني.. طبعًا ما أنا أم البطل.

– يا مصر ولدي الحر.. للعالم وصلت أخباره .. لشجاعته وتحريره لأرضه.. اتلموا أخواته وأعمامه.. من كل بلد عربي جم جنبه..

الكل قال باسم النضال.. وقفه رجال صدق اللي قال.. زرعوا العلم .. طرحوا الأمل.. وبقيت أنا أم البطل.

ابني حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل.. كل الحبايب بتهنيني.. طبعًا ما أنا أم البطل… يا مصر ده أنا أم البطل.

دخلت الفنانة شريفة فاضل فور الانتهاء من سماع الكلمات في نوبة من البكاء الهستيري، وكأن كلمات الأغنية كتُبت بدموعها وآلامها، فقد شعرت أنها تعبر عنها بالفعل، هنا تدخل الملحن علي إسماعيل الذي تأثر بشدة وذرفت عيناه الدموع وطلب مهلة لصياغة هذه الكلمات في شكل لحن، فأخذ الكلمات وتوجه إلى منزله ولم ينم في هذه الليلة، عكف على وضع الترتيبات النهائية لهذا اللحن، وعاد في اليوم التالي بلحن شديد الروعة والدقة، وبمجرد أن عرضه على الفنانة شريفة فاضل بدا ظاهرًا على قسمات وجهها شدة التأثر، حاولت التظاهر بالتماسك لكنها فشلت غلبتها أحزانها ودخلت في نوبة بكاء هستيري للمرة الثانية.

ذهبت الفنانة فاضل في اليوم الثالث لكتابة وتلحين الأغنية إلى ماسبيرو حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون التقت بالفنان «بابا شارو» وكان رئيس الإذاعة المصرية آنذاك وعرضت عليه الأغنية لتسجيلها في استوديوهات الإذاعة ورحب «بابا شارو» بالأغنية وكلماتها وفكرتها كلها من الأساس إلا إنه اعترض على اللحن لاعتماده على الناي في العزف، ما جعل الأغنية حزينة جدًا وهو ما يدفع المستمع لعدم تقبلها فضلاً عن إشفاقه على الجنود الذين سيستمعون إليها فيما بعد، لذا طلب من مهندسي الصوت بالإذاعة المصرية إضافة الآلات الموسيقية الراقصة للمساعدة على سرعة الرتم والأداء، ما اضطر شريفة فاضل للانصياع إلى تعليمات «بابا شارو» رئيس الإذاعة المصرية.

أصدر «شارو» تعليماته للقائمين على التجهيزات الفنية بضرورة وسرعة إعداد وتجهيز الأستوديو، وطلب من شريفة فاضل الاستعداد لدخول الأستوديو فورًا للتسجيل.

بدأت المطربة الكبيرة في الغناء لكنها دخلت في نوبة حادة من البكاء، وتكرر الأمر وتوقف التسجيل أكثر من مرة بسبب بكائها وسقوطها مغشيًا عليها، كلما حاولت استعادت تماسكها والاستمرار في الغناء، لدرجة أن الفنانة «فايزة أحمد» كانت موجودة بالصدفة آنذاك في الإذاعة المصرية وشاهدت تفاصيل ما حدث وطلبت منها الانتظار لعدة أسابيع حتى تستعيد عافيتها وتتمكن من الغناء، لكنها رفضت كل محاولات إثنائها عن الغناء أو حتى التأجيل لوقت أخر، وأصرت على التسجيل حتى نجحت أخيرًا في التماسك وأنهت الأغنية كلها على مرة واحدة ولم يستغرق تسجيلها سوى عدة ساعات خلال نفس اليوم، وخرجت الأغنية للنور بصوت شريفة فاضل ودموع عينيها الحقيقية وقت الغناء وحملت كلمات الأغنية الأنين والألم والفخر والعزة والكرامة في وقت واحد.

 

مقالات ذات صلة

قبعات على شكل مآذن استوحتها فنانة إيطالية سنغالية من المساجد

admin

اسعار الذهب في مصر بمستهل تعاملات اليوم الأحد 25-2-2024

admin

رئيس الوزراء يتلقي تقريرين حول تداعيات أزمة كورونا على سوق الطاقة المحلى والعالمى 

admin