أسرار ومفاجآت واعترافات مثيرة تكشفت مؤخرا،في الذكرى الـ 46 لحرب أكتوبر المجيدة تجعل المرء ليس أمامه سوى تقديم تحية اعتزاز وعرفان لقادتنا ولشهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الذكية فداء ودفاعا عن الوطن .

تسجيلات صوتية

التسجيلات الصوتية بين قادة إسرائيل خلال حرب أكتوبر تكشف حالة الرعب والهلع التي عاشوها بعد هجوم جنودنا البواسل عليهم لتحرير أرض سيناء .

نص التسجيلات 

الساعة 14.05: المصريون بدأوا عملية قصف واسعة دبابات مصرية تتقدم من الطرف الغربي للقناة والطائرات المصرية تقصف في شرم الشيخ، غارات تضرب على مقربة من غرفة قيادة العمليات للواء الجنوبي، القوات المصرية بدأت تجتاز القناة في المنطقة الجنوبية، معارك طاحنة تدور في جميع المواقع، في الشمال أعطبوا لنا 8 دبابات، الكثير من القتلى والجرحى.. نطلب دعما جويا.

وفي 7 أكتوبر الساعة السابعة و11 دقيقة صباحا: الوضع ليس جيدا نحتاج مساعدة جوية كبيرة جدا، المصريون أشعلوا النار في مخازن الوقود.. ليس لدينا وقود، المصريون يواصلون الهجوم الكاسح على جميع الجبهات، الجنود يخافون، لا يريدون الصعود إلى الدبابات.

الساعة 11.40: وزير الدفاع ديان يترك الجبهة الشمالية وينزل إلى الجنوب ويقول: لدينا مشكلتان كيف نوقف الهجوم المصري؟ وكيف نوزع القوات على المواقع؟

يوم 8 أكتوبر بعد الظهر وحتى ظهر اليوم التالي  دارت معارك شديدة وقاسية انتهت بفشل إسرائيلي واضح في تحقيق الهدف، وعلى أثر الفشل اجتمع ديان يوم الأربعاء 10 أكتوبر مع رؤساء تحرير الصحف العبرية اليومية، واعترف أمامهم بالفشل ، وذهل رؤساء التحرير وصدموا وقال رئيس تحرير هآرتس «جرشون شوكن» إذا كان ما قلته لنا الآن سيقال على شاشة التليفزيون فإن زلزالا سيضرب أذهان الشعب الإسرائيلي والشعب اليهودي كله وكذلك الشعب العربي.

واهتم احدهم بإبلاغ رئيسة الوزراء جولدا مائير في حينه، فاتصلت على الفور بديان وأمرته بإلغاء اللقاء مع التليفزيون، وطلبت من رؤساء التحرير ألا ينشروا أقوال ديان، وأمرت بفرض الرقابة العسكرية لمنع نشرها.

وثائق مسربة

بالإضافة إلى تلك التسجيلات، فقد تسربت أيضا خلال الأعوام القليلة الماضية من هيئة الأركان والحكومة الإسرائيلية وثائق سرية توضح حجم الهزيمة التي تعرض لها الكيان الصهيوني ويعتقد أنه يوجد الكثير منها لأحداث مشابهة لكنها ما زالت طي الكتمان أو يمنع نشرها .

والبداية مع الوثائق السرية المسربة التي نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية عشية الذكرى الـ 37 لحرب أكتوبر والتي تضمنت محاضر مداولات “سرية جداً” بين رئيسة الحكومة حينئذ “جولدا مائير” ووزير الحرب آنذاك “موشيه دايان” في 7 أكتوبر 1973 أي بعد يوم من اندلاع الحرب.

ووفقا للمحاضر السابقة ، فإن “دايان” توقع أن يهزأ العالم بإسرائيل كـ “نمر من ورق” جراء عدم صمودها أمام الهجوم العربي الأول رغم تفوقها النوعي ، وكان رد مائير “لا أفهم أمراً ، لقد ظننت أنكم ستبدءون بضربهم لحظة يجتازون القناة ، ماذا جرى؟” ، وأجاب دايان ” دباباتنا ضربت وطائراتنا لا يمكنها الاقتراب بسبب الصواريخ فهناك ألف مدفع مصري سمحت للدبابات بالعبور ومنعتنا من الاقتراب ، هذا نتاج ثلاث سنوات من الاستعدادات”.

واعترف دايان في هذا الصدد بأنه أخطأ تقدير قوة المصريين والسوريين ، قائلا :” هذا ليس وقت الحساب ، لم أقدر بشكل صائب قوة العدو أو وزنه القتالي وبالغت في تقدير قوتنا وقدرتنا على الصمود ، العرب يحاربون أفضل من السابق ولديهم الكثير من السلاح ، إنهم يدمرون دباباتنا بسلاح فردي ، والصواريخ شكلت مظلة لا يستطيع سلاحنا الجوي اختراقها ، لا أدري إن كانت ضربة وقائية ستغير الصورة من أساسها”.

نيران صديقة

وتتواصل الإثارة ، حيث نشر الصحفي الإسرائيلي إيلان كفير هو الآخر كتابا بعنوان ” إخوتي أبطال المجد” كشف فيه أسرارا مثيرة عن الجبهة الإسرائيلية أبرزها قيام كتيبة دبابات إسرائيلية بفتح النيران عن قرب على مجموعة من الجنود الإسرائيليين وقتل بعضهم وجرح الآخرين بدم بارد .

ونقل الكتاب عن أحد الناجين وهو موشيه ليفي قوله : في اليوم الثاني لحرب أكتوبر، السابع من أكتوبر، وجدت كتيبة دبابات إسرائيلية نفسها تواجه مئات الجنود المصريين في الجهة الشمالية للقناة. وكان يقود إحدى الدبابات العريف أول شلومو ارمان وقد أصيبت دبابة ارمان بنيران مصرية فانتقل مع جنوده إلى دبابة موشيه ليفي (المتحدث) إلا أن صاروخ آر بي جي مصري أصاب الدبابة، فقفز ركابها إلى المستنقع وبدؤوا بالهرب”.

واستطرد “كان المصريون يطلقون علينا النار ونحن نركض في المستنقع، وتخلصنا من متاعنا وأسلحتنا كي نتمكن من التحرك بسهولة داخل المستنقع، ولما تعبنا من السير بدأنا الزحف، وكان ارمان يتذوق رمال المستنقع ويقودنا على مدار 8 إلى 9 ساعات، لأنه كان الوحيد الملم بتفاصيل المنطقة وبعد ساعات طويلة وشاقة، وصلت المجموعة إلى حيث رابطت كتيبة دبابات إسرائيلية “.

وأضاف ليفي “وقفنا على بعد 15 مترا من الدبابات، لكن طاقمها لم يتعرف علينا، وصرخ بهم شلومو بأننا طاقم دبابة إسرائيلية هربنا من المصريين، فسألونا من أنتم ومن أين جئتم، وكنا نتحدث إليهم بالعبرية، وقلنا لهم إننا من الكتيبة “ل”، فقالوا لا توجد كتيبة كهذه ، ثم بدؤوا بإطلاق النار علينا، بدم بارد، من ثلاث دبابات، وأصيب بعضنا بجراح بالغة، بينهم أنا وشلومو، وسمعتهم يقولون في جهاز الاتصال أنهم قتلوا أفراد كتيبة من العدو..ويبدو أن سائق إحدى الدبابات المصاب قد صرخ بهم قائلا :” نازيون، وعندها فهموا أنهم أصابوا رفاقا لهم، تأكدوا أنهم أصابوا رفاقهم في السلاح ، طالبين إرسال إسعاف لنا وانصرفوا دون تقديم أي مساعدة”.

معلومات مضللة

وبالإضافة إلى ما سبق وفي كتاب يحمل اسم “حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع” ، اعترف مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية في حرب أكتوبر “ايلي زعيرا” والذي يصفونه في إسرائيل بأنه “مهندس الهزيمة “وأنه السبب الرئيس فيما لحق بالجيش الإسرائيلي بأن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير ، مشيرا إلى أن السبب الرئيس في الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيسة الوزراء وبدون تحليل من الموساد على أساس أنها موثوق بها وكانت هذه المعلومات هي السبب الأساسي وراء التقديرات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية.

وأضاف زعيرا أيضا في كتابه أن تلك المعلومات المضللة هي من تخطيط المخابرات المصرية وأنها كانت بمثابة جزء من خطة الخداع والتمويه المصرية التي تم تنفيذها استعدادا للمعركة.

ثمن الاستهتار بالقوة العربية

وتتوالى الاعترافات ، حيث كشف كتاب إسرائيلي آخر بعنوان “حرب يوم الغفران ، اللحظة الحقيقية” لمؤلفيه رونين برغمان وجيل مالتسر عن وثائق سرية من بروتوكولات هيئة الأركان العامة والحكومة الإسرائيلية اتضح خلالها الاستهتار الإسرائيلي بالقوة العربية .

وتظهر الوثائق أنه كان واضحا لقادة إسرائيل السياسيين والأمنيين أن هناك احتمالات كبيرة لاندلاع حرب ، إلا أنهم لم يروا أنه يتوجب عليهم فعل شيء ما من أجل منعها ، مشيرة إلى أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أصدرت في 17 إبريل 1973 تقريرا جديدا تضمن الخطط السورية لشن الحرب على إسرائيل تحت عنوان “هيئة الأركان العامة السورية تجري تدريبا بين قياداتها، موضوعه المركزي احتلال هضبة الجولان”.

واستندت تلك المعلومات إلى عميل للموساد الإسرائيلي من الدرجة “البنفسجية”، أي أنه ينتمي إلى مجموعة قليلة وخاصة من العملاء الذين يستندون في معلوماتهم إلى “مصادر رفيعة المستوى”، أو ببساطة من أفضل عملاء الموساد الإسرائيلي.

هذا العميل الذي نقل الخطة السورية إلى تل أبيب ، لا تزال إسرائيل تفرض سرية مطلقة عليه حتى الآن ، وأي معلومات عنه ممنوعة من النشر بأوامر مشددة من الرقابة العسكرية الإسرائيلية ، ومن يقرأ تلك الخطط يفهم مدى دقة المعلومات التي قام بنقلها بشأن سيناريو الحرب القادمة، ومع ذلك، لم يستعد الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان بما تستلزمه تلك المعلومات!.

وبجانب ما سبق ، جاء في الكتاب أيضا أن رئيس الأركان الأسبق في الجيش الإسرائيلي دافيد بن اليعازر قال في تصريح له قبل حرب أكتوبر عام 1973 ببضعة أشهر :” إذا كانت لدينا 100 دبابة في الجولان ، فليكن الله بعونهم” ، مستبعدا أي احتمال لهجوم سوري على إسرائيل حتى لو كان مباغتا ، ورغم أن إسرائيل كان لديها وقت الحرب 177 دبابة في الجولان إلا إنها لم تحل دون وقوع الهجوم السوري ، الأمر الذي يؤكد مدى الاستهتار الشديد لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بالقوات السورية التي لم تنجح 177 دبابة إسرائيلية كانت موجودة في الهضبة بمنع تقدمها ، حيث اتضح فعلاً أن هذا العدد كان بعيدًا جدًا عن كونه كافيا لصد الهجوم السوري .

وحتى الآن مازالت المعلومات الهامة عن حرب أكتوبر العظيمة محجوبة عن الجمهور والباحثين الإسرائيليين، وتحجبها دائرة التاريخ في الجيش الإسرائيلي على الرغم من وجود قرار بفتح ملفات الحرب بعد مضى كل هذه الفترة الزمنية عليها .